كشفت فورد Ford عن دمج مشروعها FNV4 ، المخصص لتطوير بنية إلكترونية من الجيل الجديد، مع النظام الهندسي الحالي لمركباتها، وهو ما يُعد إشارة إلى أن المشروع لم يحقق التقدم المأمول. يأتي هذا القرار ضمن سلسلة من التحديات التي تواجهها شركات صناعة السيارات التقليدية في سباقها نحو التحول إلى ما يُعرف بـ”السيارات المعرفة بالبرمجيات”. Software-Defined Vehicles -SDVs مما يسلط الضوء من جديد على مدى تعقيد هذه المهمة حتى بالنسبة لأكبر الأسماء في القطاع.
طموحات كبيرة، وواقع تقني معقد
مشروع FNV4 كان يُعد من أهم رهانات فورد لتوفير بنية إلكترونية موحدة ومتقدمة لمركباتها الكهربائية العاملة بالبطاريات Evs ، وكذلك لسيارات الاحتراق الداخلي التقليدية. الفكرة كانت تقوم على إرساء قاعدة مرنة تُسهّل عمليات التحديث وتتيح إضافة وظائف جديدة مستقبلًا عبر البرمجيات، دون الحاجة لتدخل ميكانيكي أو زيارات للخدمة. لكن قرار دمج هذا المشروع بالنظام الحالي للشركة يعكس تعثرات جوهرية في التنفيذ، وهو ما أكده الواقع العملي لفورد وشركات أخرى تواجه المصير نفسه.
ورغم التحديات، يرى الخبراء أن هذا التحول يبقى أمرًا لا مفر منه. فالبنى الهندسية القائمة على البرمجيات تُعد مفتاحًا لتقليل التكاليف، وزيادة مرونة التطوير، وتسريع دورة الإنتاج. الأهم من ذلك، أنها تضع الشركات في موقف يمكنها فيه التحكم بتجربة المستخدم دون الاعتماد الكثيف على الموردين الخارجيين.
تسلا تقود السباق
وفقًا للمحلل المتخصص سام أبو الحمد Sam Abuelsamid نائب رئيس قسم الأبحاث في شركة Telemetry ، فإن شركة تسلا Tesla كانت أول من قدّم مفهوم “السيارة المعرفة بالبرمجيات” عمليًا، مع إطلاق طراز Model S عام 2012. بخلاف السيارات التقليدية التي كانت تعتمد على شبكة CAN bus المتقادمة ومجموعة من وحدات التحكم المنفصلة ECUs التي تزود بها شركات خارجية، صممت تسلا سيارتها بحيث تعمل من خلال كمبيوتر مركزي واحد يدير معظم وظائف السيارة، بينما تُخصص وحدات منفصلة فقط للأنظمة الحرجة مثل المكابح.
هذه البنية المبسطة قللت تكاليف الإنتاج، وسمحت بتقديم تحديثات واسعة النطاق عبر الإنترنت OTA مثال على ذلك، عندما واجه طراز Model 3 مشكلة في أداء الكبح خلال اختبارات Consumer Reports ، استطاعت تسلا تحسين النظام عبر تحديث برمجي دون أي تدخل ميكانيكي، وهي سابقة لم تكن ممكنة وقتها لأي شركة أخرى.
الوجه الآخر للعملة ..البرمجيات غير الناضجة
لكن هذا النموذج ليس مثاليًا. سهولة التحديث عبر البرمجيات قد تُغري بعض الشركات بإطلاق منتجات غير مكتملة على أمل “إصلاحها لاحقًا”. فطرازات تيسلا الأولى، رغم ريادتها، واجهت انتقادات حادة بسبب جودة التجميع والمشاكل البرمجية في مراحلها الأولى، مما جعل نهج “الإصدار السريع ثم التحسين التدريجي” سيفًا ذا حدين.
جنرال موتورز ودروس من المنصة الذكية
شركة جنرال موتورز General Motors بدورها حاولت دخول هذا العالم عبر منصة VIP – Vehicle Intelligence Platform ، التي تعتمد على مزيج من شبكة CAN وتقنيات الإيثرنت لتقديم قدرات جديدة مثل القيادة الذاتية الجزئية عبر نظام Super Cruise ، بالإضافة إلى إمكانيات تحديث عبر الإنترنت.
لكن إطلاق هذه المنصة صاحبته إخفاقات كبيرة. فقد تأثرت طرازات مثل Hummer EV وCadillac Lyriq وChevrolet Blazer EV بمشكلات برمجية متكررة، وصلت إلى حد تعطيل السيارات في بعض الحالات. ومع أن المنصة تُمثّل خطوة مهمة نحو مركزية البرمجيات، إلا أن التطبيق الكامل ما يزال بعيد المنال.
سباق مكلف ومستقبل غير مضمون
من المؤكد أن جميع شركات السيارات الكبرى ضخت مليارات الدولارات في محاولات بناء بنى إلكترونية حديثة ومركزية، لكن النجاح في هذا المجال يبقى محدودًا حتى الآن. ومع أن الطريق طويل، إلا أن المكاسب المحتملة – من تقليل التكاليف، وتقديم تجربة مستخدم سلسة، وحتى السيطرة الكاملة على تحديثات المركبات – تجعل هذا التحدي واحدًا من أهم معارك الصناعة حاليًا.