لا يُعد التيربو الكهربائي Electric turbo مجرد أداة تقنية إضافية ضمن منظومة الدفع في السيارات، بل يمثل ثورة حقيقية في الطريقة التي نفهم بها كفاءة المحركات واستخدام الطاقة. فبينما ظل التيربو التقليدي Turbo Charger لعقود يُستخدم لتعزيز القوة، تكشف النماذج الحديثة من التيربو الكهربائي عن توجه هندسي مختلف، جوهره تحقيق أقصى استفادة ممكنة من كل قطرة وقود ومن كل وحدة حرارة مهدرة.
وفي قلب هذا التوجه، تُطرح اليوم أسئلة جوهرية عن مستقبل محركات الاحتراق الداخلي، وجدوى استمرارها في ظل السباق العالمي نحو الطاقة النظيفة والكفاءة العالية.
ما المقصود بالكفاءة الحرارية؟ ولماذا هي عامل محوري؟
تُعرَّف الكفاءة الحرارية بأنها النسبة بين الطاقة المفيدة التي تنتج عن احتراق الوقود والطاقة الكلية التي يحتويها الوقود نفسه. بمعنى آخر، هي مقياس لما يتم تحويله إلى حركة فعلية مقارنة بما يُفقد على شكل حرارة غير مستغلة.
وعلى الرغم من التقدم الكبير في تقنيات محركات البنزين والديزل خلال العقود الماضية، فإن أغلبها لا يزال يهدر جزءًا كبيرًا من الطاقة. شركة تويوتا اليابانية، على سبيل المثال، احتفلت أواخر العقد الماضي بوصول محركها رباعي الأسطوانات من فئة Dynamic Force إلى كفاءة حرارية بلغت 40%، وهو رقم كبير بمقاييس محركات الاحتراق، لكنه يعني أن 60% من الطاقة كانت لا تزال تُفقد على شكل حرارة.
في المقابل، تتجاوز المحركات الكهربائية هذه المعادلة بالكامل. ووفقًا لشركة رينو الفرنسية، تتراوح الكفاءة الحرارية للمحركات الكهربائية بين 75 و90%، مما يجعلها أكثر فعالية بكثير في تحويل الطاقة إلى حركة مباشرة، دون الفاقد الحراري الكبير المرتبط بالاحتراق.
من التيربو التقليدي إلى التيربو الكهربائي
يعتمد التيربو التقليدي على مبدأ استغلال طاقة العادم. حيث تُستخدم غازات العادم المنبعثة من غرفة الاحتراق لتدوير تربينة مرتبطة بعمود دوّار، يُشغّل بدوره ضاغط هواء على خط السحب. هذه العملية تسمح بإدخال كميات أكبر من الهواء إلى غرفة الاحتراق، ما يعزز ضغط الهواء داخل المحرك، ويزيد من القوة الناتجة.
لكن التيربو الكهربائي يغيّر هذه المعادلة تمامًا. بإضافة محرك كهربائي صغير على نفس العمود الدوار، يمكن تشغيل الضاغط بشكل مستقل عن غازات العادم. هذا التعديل يُلغي ما يُعرف بـ تأخر استجابة التيربو Turbo Lag، وهي لحظة التأخير التي يعاني منها التيربو التقليدي قبل أن يبدأ في ضخ الهواء.
كذلك، يوفر النظام الجديد تحكمًا دقيقًا بسرعة الضاغط، مما يسمح برفع الضغط داخل المحرك بطريقة أكثر أمانًا واستقرارًا، مع تقليل عتبة الضغط اللازمة لتفعيل التيربو. كل ذلك يعني تحسينًا مباشرًا في الاستجابة والقوة.
من حلبات الفورمولا 1 إلى سيارات الإنتاج التجاري
شهد عام 2017 لحظة فارقة في عالم المحركات، حين أعلنت شركة مرسيدس AMG أن محرك V6 الهجين المزود بتيربو كهربائي قد تجاوز حاجز الكفاءة الحرارية بنسبة 50%، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ السيارات. التقنية التي كانت تُعرف وقتها باسم MGU-H – وحدة توليد الطاقة من حرارة العادم- أصبحت حجر الأساس لنقلة في تكنولوجيا المحركات.
هذه التجربة لم تبقَ حكرًا على الفورمولا-1. فقد كانت مرسيدس من أوائل الشركات التي قامت بتعميم التقنية على طرازاتها التجارية، حيث استُخدمت في سيارات مثل C43 وC63 المزودتين بمحركات رباعية الأسطوانات مزودة بتيربو كهربائي، ما فتح الباب لتقنيات الأداء العالي في السيارات اليومية.
بورشه تدفع حدود الابتكار في طراز 911
بينما اعتمدت مرسيدس على نقل التقنية كما هي من الفورمولا-1، اختارت بورشه إعادة ابتكار المفهوم ضمن فلسفتها الخاصة. ففي الجيل الأحدث من 911 Carrera GTS، طورت بورشه منظومة هجينة متقدمة تعتمد على شاحن توربيني منفرد من تطوير شركة BorgWarner، يحتوي على محرك كهربائي بقدرة 14.7 حصان.
المثير أن هذه المنظومة لا تستخدم صمام تخفيف الضغط التقليدي Wastegate، بل تعتمد على آلية كبح كهربائي داخل التيربو نفسه لضبط ضغط الهواء، مما يُغني عن تصريف غازات العادم، ويتيح الاستفادة منها في توليد طاقة كهربائية إضافية.
وتُخزن هذه الطاقة وتُستخدم لاحقًا لتشغيل التيربو نفسه أو لدعم المحرك الكهربائي الرئيسي بقدرة 53.6 حصان، والموجود بين المحرك التقليدي وناقل الحركة.
كما أكد مهندسو بورشه أن هذه المنظومة تسمح بتقليل حرارة غازات العادم، وبالتالي خفض درجة حرارة الهواء الداخل، مما يلغي الحاجة لاستخدام تقنيات قديمة مثل إثراء الوقود Fuel Enrichment، وهي تقنية لم تعد تتماشى مع معايير الانبعاثات الصارمة مثل Euro 7.
تحديات التكاليف والتعقيد
رغم الميزات الهائلة التي يوفرها التيربو الكهربائي، إلا أن هذه التقنية تكلفتها باهظة، منظومة التصنيع المعقدة، والوزن الإضافي تضع تحديات كبيرة أمام الشركات.
في الوقت الذي تتبنى فيه شركات مثل مرسيدس، بورشه، وفيراري هذه التكنولوجيا في طرازاتها المتقدمة، فإن شركات أخرى مثل ماكلارين McLaren لا تزال متمسكة بالتيربو التقليدي، كما هو الحال في طراز W1 المرتقب. بالنسبة إلى ماكلارين، فإن الوزن الإضافي للتيربو الكهربائي لا يتناسب مع فلسفة التصميم القائمة على الخفة القصوى، ويفضل مهندسوها استخدام تلك الطاقة لتقوية المحرك الكهربائي بدلاً من تدوير التيربو.
هذه القرارات المختلفة تعكس تنوع الرؤى الهندسية بين صانعي السيارات، وكل منها يسعى لتحقيق توازن دقيق بين الأداء والكفاءة والتكلفة.
الفورمولا -1 تتخلى عن ابتكارها
في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت إدارة الفورمولا-1 نيتها التخلي عن نظام MGU-H في المواسم القادمة، رغم كونه من أبرز ابتكاراتها التقنية في العقد الأخير. والسبب؟ ارتفاع التكلفة وصعوبة ربطه بالسيارات التجارية، وفق ما صرّحت به إدارة البطولة.
اللافت أن هذا القرار يأتي في الوقت ذاته الذي بدأت فيه شركات السيارات بتبني هذه التقنية في طرازاتها الإنتاجية، ما يجعل قرار الفورمولا-1 محل تساؤل. ومع دخول شركات كبرى مثل Audi، Ford، وGM إلى عالم الفورمولا كموردين للمحركات، يبدو أن البطولة تتجه إلى نظام دفع هجين جديد يُمثل فيه المحرك الكهربائي نسبة 50% من القوة الإجمالية.
لا تُهدر الطاقة
تُجسد تقنية التيربو الكهربائي خلاصة الفكر الهندسي المعاصر “لا تدع أي طاقة تذهب سُدى”. فمن دون التيربو، تُهدر غازات العادم دون فائدة. ومع التيربو التقليدي، يتم استرداد بعض الطاقة. أما التيربو الكهربائي، فهو يقدم أقصى استفادة ممكنة عبر جمع الأداء العالي مع توليد طاقة إضافية.
صحيح أن هذه التقنية قد لا تكون مناسبة لجميع أنواع السيارات، خاصة ذات الميزانيات المحدودة، إلا أنها تمثل قمة الطموح في هندسة الأداء والكفاءة.
