في ظل التحوّل العالمي السريع نحو المركبات الكهربائية، تشتد المنافسة بين عمالقة صناعة السيارات ومطوري البطاريات للسيطرة على ما يُعتبر “مستقبل التنقل” في عالم النقل المستدام ببطاريات الحالة الصلبة Solid-State Batteries.
ورغم أن هذه التقنية كانت حبيسة الأبحاث النظرية لسنوات طويلة، مع وعود متكررة بطرحها تجاريًا خلال 5 إلى 10 سنوات، فإن سلسلة من الإعلانات الحديثة من كبار المصنعين وشركات تصنيع الخلايا قد أعادت الأمل في تسريع وتيرة التقدم نحو الجيل المقبل من المركبات الكهربائية.
نهضة جديدة بقيادة الصين Nio و IM Motors تطلقان أولى السيارات شبه الصلبة
بحسب شركة الأبحاث البريطانية Rho Motion، فإن التقديم في قطاع بطاريات الحالة الصلبة جاء مدفوعًا بإطلاق شركات صينية مثل نيو Nio و IM Motors لسيارات كهربائية تعمل بتقنية البطاريات شبه الصلبة Semi-Solid-State خلال النصف الثاني من عام 2024.
وقد مثّل هذا التطور نقطة تحول دفعت العديد من شركات السيارات العالمية إلى تسريع جداولها الزمنية نحو الإنتاج التجاري، حيث أصبح من المتوقع أن تبدأ عمليات التصنيع الواسعة النطاق قبل نهاية هذا العقد.
أسماء عالمية تتقدم السباق نحو الجيل الجديد من البطاريات
تتضمن قائمة اللاعبين الأساسيين الذين يراهنون بقوة على هذه التقنية أسماءً بارزة مثل فولكس فاجن Volkswagen، ومرسيدس-بنز Mercedes-Benz Group، ومجموعة ستيلانتس Stellantis – المالكة لعلامتي جيب Jeep وكرايسلر Chrysler – إلى جانب شركات آسيوية مثل BYD الصينية ونيسان Nissan وتويوتا Toyota اليابانيتين.
وفي هذا السياق، قالت يولا هيوز Iola Hughesرئيسة قسم الأبحاث في Rho Motion، في تصريحات: “معظم اللاعبين الذين أعلنوا عن تحركات ملموسة في هذا المجال يستهدفون العامين 2027 و2028 لإطلاق الإنتاج التجاري، وغالبًا ما يبدأون بتقنية البطاريات شبه الصلبة، قبل الانتقال إلى الحالة الصلبة الكاملة”.
وأضافت هيوز: “البطاريات شبه الصلبة تُعد أكثر أمانًا وكفاءة من خلايا الليثيوم أيون التقليدية، كما أنها أسهل في التصنيع، ما يجعلها جسرًا عمليًا نحو تحقيق بطاريات الحالة الصلبة الكاملة”.
لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن: “هذه التقنية لا تزال أقل من حيث الكثافة الطاقية، والمرونة الحجمية، وقابلية التوسع مقارنة بما تعد به البطاريات الصلبة الكاملة”.
ما هي بطاريات الحالة الصلبة؟
بطاريات الحالة الصلبة تعتمد على إلكتروليت صلب مصنوع من مواد مثل السيراميك، في حين أن بطاريات الليثيوم أيون التقليدية تستخدم إلكتروليتًا سائلًا.
ويؤكد مؤيدو التقنية أنها توفر بطاريات أكثر أمانًا وأقل تكلفة وقادرة على تخزين طاقة أعلى، إضافة إلى إمكانات شحن أسرع. كما يرى البعض أن بطاريات الحالة الصلبة قد تساعد الشركات الغربية على تقليل اعتمادها على سلاسل التوريد الصينية المهيمنة حاليًا على الصناعة.
تحديات أمام التقنية .. والبدائل تتقدم
رغم الحماسة، فإن الانتقادات لم تتوقف، خصوصًا فيما يتعلق بارتفاع التكاليف، وانتفاخ البطارية أثناء الشحن، وتدهور الأداء بعد عدد كبير من دورات الشحن. ولهذا، تتجه بعض شركات السيارات نحو تطوير تقنيات هجينة مثل البطاريات شبه الصلبة التي تمزج بين الإلكتروليت الصلب والسائل.
وأوضحت هيوز أن شركات مثل بي إم دبليو BMW ومرسيدس Mercedes-Benz تُعد من بين روّاد السباق الغربي، حيث لا يكتفون بالاستثمار في البحث والتطوير والنماذج الأولية، بل يعززون مواقعهم عبر شراكات استراتيجية مع شركات تكنولوجية.
فعلى سبيل المثال، دخلت ستيلانتس Stellantis في شراكة مع شركة Factorial Energy الأمريكية، المتخصصة في تطوير البطاريات شبه الصلبة، ما يجعل منتجاتها الأولى قائمة على تكنولوجيا هجينة وليست الحالة الصلبة الكاملة.
نيسان Nissan تراقب السوق بحذر وتستعد للإطلاق في 2028
من جهته، أكد إيفان إسبينوزا Ivan Espinosa، نائب الرئيس التنفيذي لتطوير المنتجات في شركة نيسان Nissan، أن الشركة لا تزال ملتزمة بخطتها لإطلاق بطاريات الحالة الصلبة في عام 2028.
وقال: “نواصل العمل عليها، ونحن ملتزمون بالجدول الزمني، لكن التحدي يكمن في معرفة ما إذا كان السوق جاهزًا لاستيعاب التقنية الجديدة من حيث التكاليف والإنتاج الضخم”.
وأشار إلى أن الاستثمار بشكل مبالغ فيه قبل استعداد السوق قد يضر بالجدوى الاقتصادية للمشروع، مضيفًا: “من الناحية التكنولوجية نحن على الطريق الصحيح، لكن لا بد من التوقيت المناسب قبل إطلاق الإنتاج على نطاق واسع”.
تشاؤم في الغرب بسبب تباطؤ بعض المشاريع الكبرى
ورغم التفاؤل في آسيا، فإن بعض التحليلات ترى أن الحماس المفرط للتقنية بدأ يتلاشى في الغرب، خصوصًا بعد إعلان شركات مثل QuantumScape المدعومة من فولكس فاجن Volkswagen عن تأجيل إطلاق منتجاتها وتعديل جداولها الزمنية بسبب مشكلات تكنولوجية متكررة.
وقال كونور واتس Connor Watts، محلل مواد البطاريات الخام في Fastmarkets: “رغم التقدم المستمر، فإن إحباط المستثمرين ازداد بسبب فشل بعض الشركات الغربية في الوفاء بوعودها، ما جعل المشروع يبدو وكأنه تحدٍّ عبثي لا نهاية له، كما لو أنه مأخوذ من أسطورة سيزيف اليونانية”.
تحسينات لافتة في بطاريات LFP قد تُهدد جدوى الصلبة
وفي تطور لافت، أعلنت شركة CATL الصينية في أبريل 2025 عن تطوير بطارية فوسفات الحديد والليثيوم LFP قادرة على إضافة مدى يصل إلى 520 كيلومترًا خلال خمس دقائق فقط من الشحن، وهو إنجاز غير مسبوق في القطاع.
جاء هذا بعد شهر فقط من إعلان BYD عن نظام شحن فائق السرعة خاص بها، ما يعزز من فرص تقنيات الليثيوم أيون التقليدية في الاستمرار كمنافس قوي.
ويرى واتس أن هذه التحسينات تجعل من الصعب تقبل التكلفة العالية لتقنية الحالة الصلبة، مضيفًا: “إذا لم تتحسن وعود بطاريات الحالة الصلبة في مقابل اقتراب الأداء بين التقنيات، فإن القيمة الاستثمارية والعملية قد تتآكل بشكل كبير”.
مستقبل غير محسوم
يبدو أن سباق بطاريات الحالة الصلبة لا يزال في بدايته رغم ما تحقق من تقدم، وبينما تُراهن شركات آسيوية على التصنيع واسع النطاق خلال بضع سنوات، فإن الغرب يتعامل بحذر، وسط انتقادات لبطء التنفيذ وتكاليف التطوير العالية.
لكن المؤكد أن مستقبل التنقل الكهربائي سيُحدده الفائز في هذا السباق التكنولوجي المعقد، الذي سيعيد رسم خريطة القوى الصناعية العالمية لعقود قادمة.