في عالم السيارات الحديثة، لم تعد حركة عجلة القيادة مرتبطة ميكانيكيًا بالعجلات الأمامية، بل باتت مدفوعة بالإشارات الإلكترونية، بفضل تقنية Steer-by-Wire -SbW أو ما يُعرف بنظام التوجيه الإلكتروني بالكامل. هذه التقنية، التي تُعد تحولًا جذريًا في فلسفة التفاعل بين السائق والسيارة، تتيح للأنظمة الذكية اتخاذ قرارات دقيقة ومتغيرة بحسب كل موقف قيادة، ما يفتح آفاقًا جديدة نحو مزيد من الراحة والأمان وحتى القيادة الذاتية.
التوجيه كما تريده أنت ..أو كما تراه السيارة الأفضل
عند السير بسرعات عالية على الطرق السريعة، يحتاج السائق إلى استجابة توجيه بطيئة وثابتة، حتى لا تتسبب الحركات البسيطة في انحراف السيارة المفاجئ. لكن عند المناورة في أماكن ضيقة أو أثناء الانعطاف في منعطفات حادة، يصبح التوجيه السريع أكثر فاعلية، حيث يمكن للسائق تدوير العجلات الأمامية بزاوية كبيرة دون الحاجة إلى تدوير عجلة القيادة عدة مرات. هنا يأتي دور نظام Steer-by-Wire، الذي يُلغي عمود التوجيه بالكامل ويستبدله بنظام إلكتروني دقيق.
في هذا النظام، لا يكون هناك اتصال ميكانيكي بين يد السائق والعجلات الأمامية. فبدلًا من ذلك، تُترجم حركة عجلة القيادة إلى “طلب” إلكتروني، يتم إرساله إلى وحدة معالجة مركزية تعتمد في اتخاذ قرار التوجيه على مجموعة مدخلات، منها سرعة السيارة، وحالة الطريق، ومستشعرات المحافظة على المسار، وبيانات نظام الثبات الإلكتروني ESP ، وأيضًا وضع القيادة المُفعل “رياضي أو اقتصادي”. يقوم المعالج بإرسال أمر إلى محرك كهربائي مثبت على ترس التوجيه، ليقوم بتنفيذ زاوية التوجيه المثلى.
من الراحة إلى الأمان .. ثم القيادة الذاتية
هذا النظام لا يقتصر على التوجيه المتغير فقط، بل يمكنه أيضًا تنفيذ إجراءات تجنب الاصطدامات أو التصحيح الأوتوماتيكي عند فقدان السيطرة. وفضلًا عن الفوائد التقنية، فإن التخلص من عمود التوجيه يُحسّن توزيع المساحات داخل السيارة، خاصة في منطقة أقدام السائق والحاجز الأمامي، مما يمنح المصممين مرونة أكبر في تخطيط المقصورة والتجهيزات الداخلية. كما يُسهّل تصميم السيارة لتناسب كلًّا من نظام القيادة على اليمين RHD أو اليسار LHD دون تغييرات جوهرية.
تاريخ طويل ..ومحاولات متعددة
رغم أن التقنية تُطرح اليوم بتطور غير مسبوق، فإن ظهورها الأول لم يكن حديثًا. فقد كانت إنفينيتي Infiniti أول من قدمت نظام Steer-by-Wire في سيارة Q50 عام 2013، لكنها تخلت عنه لاحقًا. كما أجرت مرسيدس Mercedes-Benz وساب Saab تجارب على سيارات تقاد بجوستيك بدلًا من عجلة قيادة، لكنها لم تصل إلى خطوط الإنتاج. اليوم، تعود التقنية بقوة من خلال شركة ZF التي بدأت توريد نظامها إلى سيارة نيو ET9 Nio ET9، فيما بدأت تويوتا Toyota ولكزس Lexus هذا العام بتقديم نُسخ تجريبية مزوّدة بعجلة قيادة على شكل “يوك” دون اتصال ميكانيكي.
أما تسلا Tesla، فقد قدمت عجلة قيادة على شكل يوك في طراز Model S دون اعتماد تقنية Steer-by-Wire، لكنها استخدمتها بالكامل في طراز Cybertruck، في خطوة تعكس توجه الشركة نحو السيارات ذاتية القيادة، حيث تُصبح أنظمة التوجيه الإلكتروني غير قابلة للتفاوض في سيارات لا تحتوي على عجلة قيادة أو لا تحتاج إلى تدخل بشري.
موثوقية فائقة ..وتحديات كبيرة
قد يُثير غياب الاتصال الميكانيكي قلق البعض بشأن موثوقية النظام، لكن شركات السيارات عملت على تطويره لسنوات، مستخدمة أنظمة مزدوجة لكل مكون رئيسي تقريبًا، من المحركات إلى وحدات التحكم والأسلاك. كما أن معظم أنظمة التوجيه بالعجلات الخلفية 4WS المعتمدة اليوم تعتمد على نظام Steer-by-Wire بالفعل، وإن كان فشلها لا يؤثر بقدر فشل النظام الأمامي.
ويبقى التحدي الأبرز أمام هذه التقنية هو توفير الإحساس الحقيقي للطريق، إذ تسعى الشركات إلى خلق تجربة توجيه طبيعية عبر محرك كهربائي على عجلة القيادة يحاكي ردود الفعل التي كانت توفرها العجلات والطريق. فعندما يعمل محرك التوجيه الرئيسي بقوة، يدفع المحرك الموجود على عجلة القيادة بعزم معاكس تجاه يد السائق، ليمنحه شعورًا واقعيًا بالاحتكاك وردة فعل الإطارات.