فكرة “الاستدعاء” في عالم السيارات عادةً إلى مشكلة تمثل خطرًا حقيقيًا على السلامة، وهو ما يجعل المصطلح يرتبط غالبًا بانطباع سلبي. لكن الواقع عكس ذلك؛ فالاستدعاءات، رغم ما تحمله من سمعة سيئة، قد تكون في الحقيقة مؤشرًا إيجابيًا على أن شركات صناعة السيارات أصبحت أكثر التزامًا بالمساءلة والجودة.
اتجاه تصاعدي في الاستدعاءات
وفقًا لبيانات الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة NHTSA، أظهرت الفترة من 2003 إلى 2023 اتجاهًا عامًا لزيادة كلٍّ من عدد الاستدعاءات وعدد السيارات المشمولة بها. ورغم أن عام 2024 شهد انخفاضًا نسبيًا حيث أصدرت الشركات 445 استدعاءً شمل حوالي 29 مليون سيارة، إلا أن النصف الأول من 2025 يواصل تسجيل أرقام لافتة؛ إذ تم استدعاء أكثر من 10.7 مليون سيارة خلال أول ستة أشهر فقط، مع إصدار 229 حملة استدعاء.
وتتصدر فورد Ford المشهد هذا العام بإصدارها 88 استدعاءً منفردًا، وهو ما يمثل 36% من إجمالي الحملات، وأكثر من 40% من إجمالي السيارات المستدعاة.
لماذا تتزايد الاستدعاءات؟
السيارات اليوم أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى؛ فأنظمة الأمان النشطة، وأنظمة التعليق التكيفية، وتقنيات التوجيه والكبح عبر الإشارات الإلكترونية، وأنظمة المعلومات والترفيه متعددة الشاشات، إضافة إلى منظومات الدفع الهجينة، كلها ترفع احتمالية ظهور الأعطال. كما أن تعقيد سلاسل التوريد العالمية يجعل حتى أصغر المشكلات في مكونات غير أساسية سببًا في استدعاءات ضخمة قد تمتد عبر قارات متعددة.
توقعات المستهلكين أيضًا تلعب دورًا محوريًا؛ ففي الثمانينيات، كان المشترون يتوقعون أعطالًا أكثر مقارنة بمشتري 2025 الذين يطالبون بسيارات تعمل بكفاءة تامة طوال الوقت. وفي ظل هذا التحول، أصبحت الشركات مضطرة لإصدار استدعاءات حتى لأصغر المشكلات التي ربما كانت تُتجاهل في الماضي. ومع تشديد الرقابة من الهيئات التنظيمية مثل NHTSA، فإن الشركات لم تعد تملك رفاهية التأجيل أو التجاهل.
الاستدعاءات ..مؤشر على تحسن الجودة والرقابة
تاريخيًا، ارتبطت بعض الاستدعاءات بفضائح ضخمة مثل كارثة وسائد الهواء من تاكاتا Takata، ومشكلة مفاتيح التشغيل لدى جنرال موتورز General Motors، وفضيحة “ديزل جيت” الخاصة بـ فولكس فاجن Volkswagen، وأزمة حرائق فورد بينتو Ford Pinto تلك الحوادث أضرت بسمعة العلامات التجارية لسنوات.
لكن الشركات اليوم أصبحت أكثر استباقية؛ فهي تفضل إصدار استدعاءات متعددة وصغيرة بدلًا من ترك المشكلات تتفاقم لتتحول إلى أزمات كبرى. مثال واضح على ذلك هو تسلا Tesla، التي استدعت 5.1 مليون سيارة في 2024، لكن معظم تلك “الاستدعاءات” جرى حلها بتحديثات برمجية عن بُعد، دون حاجة لزيارة مراكز الخدمة.
الجانب المظلم ..فورد تحت المجهر
ورغم أن زيادة الاستدعاءات قد تعكس تحسنًا في إدارة الجودة، فإنها قد تكشف أيضًا عن أزمات أعمق. فورد Ford مثلًا سجلت 54 استدعاءً في 2023 أثرت على 5.6 مليون سيارة، و67 استدعاءً في 2024 شملت 4.7 مليون سيارة. أما في 2025، فقد تجاوزت الشركة بالفعل 94 استدعاءً قد تمس 6.35 مليون سيارة، لتسجل رقمًا قياسيًا جديدًا كأعلى عدد استدعاءات تصدره شركة واحدة في عام واحد، بينما لا يزال هناك ستة أشهر على نهاية العام.
الأسباب متعددة، منها أعطال كهربائية، مشكلات في الكاميرات الخلفية، وأعطال في أنظمة نقل الحركة، مما يشير إلى أزمة في مراقبة الجودة. الرئيس التنفيذي جيم فارلي Jim Farley اعترف العام الماضي بخطأه في عدم التركيز مبكرًا على إعادة هيكلة دورة تطوير المنتجات، مؤكدًا أن التحسينات “بحاجة إلى إعادة ضبط أساسية أعمق مما تخيل”. لكن وعوده بتحسينات كبيرة في 2025 لم تتحقق حتى الآن، فيما تكبدت الشركة خسائر بمئات الملايين لتغطية تكاليف الضمان والإصلاحات، مثل استدعاء حاقنات الوقود في طرازات برونكو سبورت Bronco Sport وإسكيب Escape الذي كلف وحده نصف مليار دولار.
دروس من فولكس فاجن
على النقيض، قدمت فولكس فاجن Volkswagen مثالًا على إمكانية تقليل الاستدعاءات عبر تحسين الجودة. ففي 2022 كانت ثاني أكثر العلامات استدعاءً بمليون سيارة تقريبًا، لكنها خفضت الرقم إلى 332 ألف سيارة فقط في 2023، بفضل برامج مكثفة لتحسين الجودة والاختبارات الإقليمية، مما أدى إلى انخفاض غير مسبوق في شكاوى الضمان.