أسطورة آيرتون سينا Ayrton Senna تتجدد بذكرى انتصاره التاريخي في جائزة البرتغال 1985 -ماذا حدث ؟!

في تاريخ سباقات الفورمولا-1 Formula One، قلّما شهد العالم انطلاقة أسطورية لسائق شاب كما حدث مع البرازيلي آيرتون سينا Ayrton Senna عندما حقق أول انتصار له مع فريق لوتس Lotus في جائزة البرتغال الكبرى 1985 Portuguese Grand Prix على حلبة إستوريل Estoril. سباق لا يزال محفورًا في ذاكرة عشاق الرياضة منذ أربعة عقود، ويمثل لحظة فارقة في مسيرة أحد أعظم السائقين عبر التاريخ.

البداية لسينا مع لوتس

في ذلك العام، لم يكن الفوز مجرد انتصار شخصي لسينا، بل أيضًا محطة عاطفية عميقة لفريق لوتس، الذي لم يتذوق طعم الفوز منذ وفاة مؤسسه كولن تشابمان Colin Chapman عام 1982. وكان ميكانيكي الفريق الأول في إستوريل، كريس ديناج Chris Dinnage، حاضرًا ليشهد الأداء الاستثنائي الذي وصفه بأنه “عرض كامل من موهبة فذة لم يكن لديها سوى هدف واحد: الفوز وأن تكون الأفضل”.

سينا، الذي كان قد تألق في الأمطار بموناكو عام 1984، دخل السباق منطلقًا من مركز الانطلاق الأول متفوقًا بأربعة أعشار من الثانية على الفرنسي آلان بروست Alain Prost سائق مكلارين McLaren. لكن ما جرى يوم السباق تجاوز كل التوقعات، فقد انطلقت الأمطار الغزيرة بلا توقف، وحوّلت الحلبة إلى ساحة بقاء للأقوى. ومع ذلك، بدا سينا وكأنه يقود على مسار مختلف، محققًا فارقًا بلغ 2.7 ثانية في اللفة الأولى عن زميله إليو دي أنجليس Elio de Angelis، قبل أن يوسع الفارق إلى 13 ثانية بحلول اللفة العاشرة، بينما كان منافسوه يتساقطون واحدًا تلو الآخر بسبب الانزلاق وفقدان السيطرة.

سباق البقاء وسط العاصفة

في مشهد درامي، خرج جاك لافيت Jacques Laffite من السباق بعد 15 لفة، بينما تحطم بطل العالم السابق كيكي روزبرغ Keke Rosberg عند المنعطف الأخير في اللفة 16، وحتى آلان بروست لم يسلم، إذ اصطدم بالحواجز بسرعة 290 كم في الساعة في اللفة الثلاثين بعد فقدان السيطرة على خط البداية والنهاية.

وعلى الرغم من أن سينا نفسه أشار من داخل سيارته مطالبًا بإيقاف السباق بسبب الظروف القاسية، استمرت المنافسة حتى النهاية، ليعبر خط النهاية بعد مرور ساعتين وقطع 67 لفة، متقدمًا بفارق يزيد عن دقيقة كاملة عن الإيطالي ميكيلي ألبوريتو Michele Alboreto سائق فيراري Ferrari، بينما لم يتمكن سوى تسعة سائقين فقط من أصل 26 مشاركًا من إنهاء السباق.

قدرة نادرة على قيادة السيارة بأقصى سرعة

يقول كريس ديناج: “كان سينا يمتلك قدرة نادرة على قيادة السيارة بأقصى سرعة ممكنة مستخدمًا نصف طاقته فقط، بينما يترك النصف الآخر لمراقبة كل ما يدور حوله من ظروف الحلبة والمنافسين. لم أر مثل هذه السيطرة الكاملة عند أي شخص آخر في حياتي”.

ولا يتوقف الأمر عند الأداء داخل الحلبة، فقد اشتهر سينا أيضًا بعلاقته المميزة مع أفراد فريقه، إذ كان حريصًا على بناء صداقات مع الطاقم الفني، ما جعل الجميع على استعداد لبذل أقصى ما لديهم من أجله، على عكس بعض السائقين الذين يكتفون بالتواصل الرسمي.

احتفال تاريخي ومنع لاحق

مع عبور سينا خط النهاية، لم يتمالك فريق لوتس نفسه، فاندفعوا للاحتفال على جدار الحلبة وحتى على المسار نفسه، في مشهد يظهر فيه ديناج وهو يقفز عاليًا قرب سيارة سينا. كان ذلك آخر احتفال من نوعه، إذ قرر الاتحاد الدولي للسيارات FIA بعد ذلك حظر دخول الفرق إلى الحلبة أثناء السباق.

ورغم أن الكثيرين يعتبرون سباق سينا الأسطوري في جائزة أوروبا الكبرى 1993 على حلبة دونينغتون Donington هو الأبرز في مسيرته، إلا أن البرازيلي نفسه كان يرى أن فوزه في إستوريل عام 1985 أكثر قيمة، لأنه تحقق دون أي مساعدة تقنية مثل أنظمة التحكم في الجر Traction Control أو مكابح مساعدة.

بعد أربعين عامًا، يبقى ذلك اليوم الماطر في البرتغال شاهدًا على ميلاد أسطورة سباقات السرعة، ويظل آيرتون سينا بالنسبة للكثيرين، كما قال ديناج، “أكثر سائق مكتمل في تاريخ رياضة السيارات”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى