تسلا تواجه اختبارها الأصعب في أوروبا وسط معركة شرسة من الأوروبيين والصينيين -تقرير

تجد تسلا  Tesla  الأمريكية نفسها أمام أحد أصعب اختباراتها في السنوات الأخيرة، بعدما أعلنت عن طرح نسخ منخفضة السعر من سياراتها الأكثر مبيعاً، وهما موديل  Model Y و موديل  Model 3، في محاولة لاستعادة مكانتها داخل السوق الأوروبية التي تشهد تزايداً غير مسبوق في المنافسة من قبل العلامات الأوروبية والصينية.

ففي الأسبوع الأول من أكتوبر، كشفت تسلا عن النسخة الاقتصادية Model Y Standard بسعر يبدأ من 39 ألف و 990 دولار أمريكي، والنسخة المماثلة من Model 3 بسعر 36 ألف و 990 دولار أمريكي. لكن هذه الأسعار، التي تعد جذابة في السوق الأمريكية، تواجه في أوروبا بيئة أكثر ازدحاماً وتعقيداً، حيث تتوافر أكثر من اثنتي عشرة سيارة كهربائية من علامات أوروبية وصينية بأسعار تقل عن 30 ألف دولار أمريكي، مع توقعات بإطلاق أكثر من 25 طرازاً كهربائياً جديداً خلال العام القادم فقط.

تسلا في مواجهة المنافسة الأوروبية والصينية

في الأسواق الأوروبية، يزداد حضور العلامات المنافسة التي تقدم سيارات كهربائية بأسعار مغرية. من بين هذه النماذج، سيارة BYD Dolphin Surf التي يبدأ سعرها من 23 ألف يورو، وداسيا سبرينغ  Dacia Spring  التي تُعرض بسعر 16 ألف و 800  يورو، إضافة إلى سيتروين  Citroën e-C3التي يبدأ سعرها من 23 ألف و 300 يورو. كما أعلنت مجموعة فولكس فاجن  Volkswagen  عن نيتها تقديم طراز جديد باسم ID.Polo العام المقبل بسعر أقل من 25 ألف يورو.

هذا التنوع الكبير في الخيارات يجعل من الصعب على تسلا جذب المشترين الأوروبيين الذين يجدون بدائل أكثر اقتصادية دون التضحية بالمواصفات التقنية أو المدى الكهربائي. ووفقاً لتصريحات سام فيوراني  Sam Fiorani، نائب رئيس مؤسسة أوتو فوركاست سوليوشنز  AutoForecast Solutions، فإن “المنافسة في السوق الأوروبية شرسة للغاية، ووجود هذا العدد الكبير من السيارات الأقل سعراً سيحدّ من فرص تسلا في توسيع حصتها السوقية”.

انحسار الحصة السوقية لتسلا في أوروبا

كانت تسلا موديل  Tesla Model Yالسيارة الأكثر مبيعاً في أوروبا خلال عام 2023، لكن الشركة شهدت منذ ذلك الحين تراجعاً حاداً في حصتها السوقية التي انخفضت إلى نحو 1.5% فقط. ويرجع بعض المحللين هذا التراجع إلى عاملين رئيسيينK أولاً، قدم مجموعة طرازات تسلا مقارنة بالمنافسين الذين يطرحون نماذج جديدة بوتيرة أسرع، وثانياً، ردود الفعل السلبية من بعض المستهلكين الأوروبيين تجاه المواقف السياسية للرئيس التنفيذي إيلون ماسك  Elon Musk، خاصة دعمه لشخصيات يمينية مثيرة للجدل.

كما تراجعت تسلا عالمياً في مبيعاتها خلال عام 2024 للمرة الأولى منذ تأسيسها، مع توقعات بانخفاض إضافي بنسبة 10% خلال 2025 وفق تقديرات مؤسسة فيزيبل ألفا  Visible Alpha  وتعلق الشركة آمالها على الطرازات الأرخص سعراً من Model 3 وModel Y  لإحياء الطلب على سياراتها في أوروبا.

الفوارق بين الأسواق الأمريكية والأوروبية

تختلف معركة تسلا في أوروبا جذرياً عن تلك التي تخوضها في الولايات المتحدة. ففي السوق الأمريكية لا يتوافر سوى طراز كهربائي واحد يقل سعره عن 40 ألف دولار وهو نيسان ليف  Nissan Leaf، بينما في أوروبا تتكاثر الطرازات الاقتصادية بشكل متسارع. ويأمل ماسك أن يساعد تسعير النسخ الجديدة من Model 3 وModel Y  في تعزيز المبيعات بالولايات المتحدة بعد أن أصبحت الأسعار أقل من منافسين مثل هيونداي أيونيك  Hyundai Ioniq 5، وشيفروليه بليزر  Chevrolet Blazer،  وفولكس فاجن ID.4 .Volkswagen

غير أن السوق الأمريكية تواجه بدورها تحديات جديدة بعد انتهاء الإعفاء الضريبي البالغ 7,500 دولار في نهاية سبتمبر، وهو ما قد يقلص الطلب العام على السيارات الكهربائية في الأشهر المقبلة. وقد حذر ماسك نفسه من أن الشركة قد تمرّ بـ”بضعة أرباع صعبة” إذا تباطأت وتيرة الطلب الكلي على السيارات الكهربائية.

المنافسة الصينية تضيق الخناق

أما في الصين، السوق الأكبر للسيارات الكهربائية في العالم، فموقف تسلا لا يقل صعوبة. فرغم الشعبية التي ما زالت تحتفظ بها، فإن طرازاتها الجديدة ما تزال أغلى من المنافسين المحليين مثل  BYD بطرازها  Yuan Plus، وسايك-جنرال موتورز-وولينغ SAIC-GM-Wuling التي تهيمن بموديلاتها الصغيرة منخفضة التكلفة على السوق الصينية. هذا التفاوت في الأسعار جعل تسلا تفقد جزءاً كبيراً من زخمها في آسيا لصالح الشركات المحلية التي تقدم تكنولوجيا متقدمة وسعراً أكثر جاذبية.

محاولات لانعاش السوق الأوروبي

في سبتمبر الماضي، نجحت تسلا في إيقاف نزيف المبيعات ببعض الأسواق الأوروبية بعد طرح نسخة مجددة من Model Y تضم تحسينات في المقصورة الخارجية والداخلية، وهو ما ساهم في تحقيق مبيعات قياسية خلال الربع الثالث من العام. ومع ذلك، يرى الخبراء أن مجموعة طرازات تسلا أصبحت متقادمة نسبياً مقارنة بالشركات الأوروبية التي تطلق سيارات كهربائية جديدة كل عام تقريباً. فمنذ طرح Model Y عام 2020، لم تقدم تسلا أي طراز جديد بالكامل في فئة السيارات الشعبية.

وبحسب المحلل ماتياس شميت  Matthias Schmidt  من مؤسسة شميت أوتوموتيف  Schmidt Automotive، فإن الطرازات الأرخص من تسلا “ستضيف بعض الزخم للمبيعات خلال العام المقبل، لكنها لن تكون كافية لاختراق السوق الأوروبية بشكل كبير، خاصة مع اقتراب إطلاق أكثر من 25 طرازاً كهربائياً جديداً بحلول 2026”.

تسلا أمام مفترق طرق

تبدو استراتيجية تسلا الحالية في أوروبا محاولة لإنقاذ الحصة السوقية قبل أن تزداد المنافسة تعقيداً. ووفق تقديرات مؤسسة أوتو فوركاست سوليوشنز  AutoForecast Solutions، فإن طرح نسخة Model Y Standard قد يساعد في الحفاظ على مستويات المبيعات الحالية، لكنه لن يُحدث تحولاً جذرياً في السوق، لأن المستهلك الأوروبي ينجذب أكثر نحو السيارات الكهربائية التي تقع ضمن فئة 30 ألف يورو أو أقل.

وبينما تحاول تسلا التوفيق بين خفض الأسعار والحفاظ على هوامش الربح العالية التي تميزها، فإن دخول الشركات الأوروبية والصينية بقوة إلى هذه الفئة السعرية قد يفرض واقعاً جديداً على الشركة الأمريكية، التي تجد نفسها مضطرة لإعادة النظر في استراتيجية منتجاتها وتسعيرها إن أرادت البقاء في طليعة المنافسة العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى