شهدت صناعة السيارات العالمية خلال عام 2024 اضطرابات غير مسبوقة، حيث واجهت بعض الأسماء الكبرى أزمات مالية وإدارية حادة تهدد وجودها.
نيسان Nissan اليابانية، التي كانت رمزًا للابتكار والجودة، اضطرت للاندماج مع هوندا Honda لتجنب الانهيار، بينما أعلنت فولكس فاجن Volkswagen الألمانية عن استراتيجية تقشفية تتضمن إغلاق مصانع، إلغاء طرازات، وتسريح أعداد كبيرة من العمال. في المقابل، تواصل الشركات الصينية مثل BYD وGeely توسعها العالمي مستفيدة من الدعم الحكومي الكبير والتركيز على السيارات الكهربائية.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على أزمات شركات السيارات الكبرى في 2024، الحلول التي لجأت إليها، ونستعرض أمثلة من الماضي للشركات التي نجحت في تخطي أزماتها. كما نناقش الدور المتصاعد للصين في هذه الصناعة التي تعيد تشكيل قواعدها.
نيسان وهوندا ..اندماج ياباني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
نيسان، التي تأسست عام 1933، كانت في يوم من الأيام واحدة من أعمدة صناعة السيارات في اليابان والعالم. لكن في السنوات الأخيرة، واجهت الشركة أزمات متعددة، أبرزها الانخفاض الكبير في المبيعات العالمية، وفضائح إدارية مثل اعتقال رئيسها التنفيذي السابق كارلوس غصن، وتأخرها في مواكبة التحول نحو السيارات الكهربائية والهجينة.
في عام 2024، أعلنت نيسان اندماجها مع هوندا، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى إنقاذها من الإفلاس. هذا التحالف بين اثنتين من أعرق الشركات اليابانية يركز على دمج الخبرات في تطوير السيارات الكهربائية والهجينة، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتقليل التكاليف. يتمثل التحدي الأكبر في كيفية الحفاظ على هوية كل شركة ضمن هذا التحالف، خاصة أن هوندا تتميز بتاريخها المستقل وشهرتها في الدراجات النارية والمركبات الهجينة.
فولكس فاجن ..استراتيجية النجاة بتقليص الأعمال
فولكس فاجن، الشركة الألمانية التي تأسست عام 1937، اشتهرت بكونها من أكبر مصنعي السيارات في العالم. لكنها في 2024 واجهت صعوبات كبيرة نتيجة لتغيرات السوق العالمية وضغوط التحول نحو السيارات الكهربائية. تأخرت الشركة في تقديم طرازات كهربائية تنافسية مقارنة بمنافسيها مثل تسلا Tesla وBYD، مما أدى إلى تراجع كبير في مبيعاتها.
استجابة لذلك، أعلنت فولكس فاجن عن خطة تقشفية تضمنت إغلاق عدد من مصانعها في أوروبا وأمريكا الشمالية، والتوقف عن إنتاج طرازات مثل باسات Passat و تيجوان Tiguan في بعض الأسواق. كما قامت بتسريح آلاف العمال، وهو ما أثار انتقادات حادة، خاصة في ألمانيا، حيث تُعتبر الشركة رمزًا وطنيًا.
نماذج من الماضي ..دروس من أزمات سابقة
لطالما واجهت صناعة السيارات أزمات كبرى تركت أثرًا عميقًا، لكن العديد من الشركات تمكنت من تجاوزها نستعرضها فيما يلي:
جنرال موتورز General Motors
في عام 2009، واجهت الشركة الأمريكية إفلاسًا محتمًا بسبب الأزمة المالية العالمية. لكنها استطاعت التعافي بعد حصولها على حزمة إنقاذ حكومية بقيمة 50 مليار دولار، وركزت على إعادة هيكلة عملياتها وإلغاء العلامات التجارية الأقل ربحية مثل بونتياك Pontiac وساتورن Saturn.
كرايسلر Chrysler
تعرضت للإفلاس في 2009 أيضًا، لكنها نجت بفضل شراكة استراتيجية مع فيات Fiat الإيطالية. ساعد هذا التحالف الشركة على تحسين منتجاتها واستعادة حصتها السوقية.
تسلا Tesla
في بداياتها، عانت الشركة من صعوبات مالية حادة كادت تؤدي إلى إفلاسها. لكن بفضل دعم المستثمرين، والتوسع في إنتاج السيارات الكهربائية مثل موديل Model Sوتحولت تسلا إلى واحدة من أنجح الشركات في العالم.
صعود الشركات الصينية ..منافس قوي على الساحة العالمية
بينما تكافح الشركات التقليدية، تواصل الشركات الصينية مثل BYD ، Geely ، Nio تحقيق نجاحات مبهرة. بفضل دعم حكومي ضخم، واستثمارات مكثفة في التكنولوجيا، وتكاليف إنتاج منخفضة، أصبحت الصين رائدة في سوق السيارات الكهربائية. تمكنت هذه الشركات من تقديم طرازات بأسعار تنافسية مع ميزات تقنية متقدمة، مما ساعدها على غزو الأسواق الأوروبية والآسيوية.
على سبيل المثال:
BYD
التي كانت في الأصل شركة تصنيع بطاريات، أصبحت الآن من أكبر مصنعي السيارات الكهربائية في العالم، متفوقة على تسلا في بعض الأسواق.
جيليGeely
استحوذت على علامات تجارية عالمية مثل فولفو Volvo ولوتس Lotus مما أتاح لها تعزيز وجودها في الأسواق الدولية.
هل يعيد 2024 تشكيل مستقبل صناعة السيارات؟
الأزمات التي واجهتها نيسان، فولكس فاجن، وغيرها من الشركات الكبرى، تسلط الضوء على التحديات الهائلة التي تواجه صناعة السيارات التقليدية. في المقابل، يُظهر الصعود القوي للشركات الصينية كيف يمكن لتغيرات السوق أن تعيد تشكيل قواعد اللعبة.
المستقبل يبدو أكثر انفتاحًا على الابتكار، مع احتمال أن تتحول الصين إلى القائد العالمي لصناعة السيارات. السؤال هنا هل ستتمكن الشركات التقليدية من التأقلم والبقاء، أم أن العملاق الصيني سيقود الصناعة إلى عصر جديد؟