تقود فولفو Volvo السويدية ثورة جديدة في عالم السلامة المرورية، مستندة إلى الذكاء الاصطناعي AI كركيزة أساسية لإعادة صياغة المفهوم التقليدي لحماية الركاب والمشاة. هذه الخطوة تأتي امتدادًا لتاريخ طويل من الريادة في مجال سلامة المركبات، تكلل اليوم بشراكات استراتيجية مع أبرز اللاعبين في ميدان التكنولوجيا، وعلى رأسهم شركة نفيديا NVIDIA الأمريكية المتخصصة في الحوسبة والذكاء الاصطناعي.
من البيانات إلى القرارات
بدأت شركة فولفو خلال السنوات الأخيرة بتركيب شبكة واسعة من المستشعرات داخل سياراتها الكهربائية الحديثة. هذه المستشعرات لا تعمل فقط على جمع المعلومات، بل على تحليل كامل للبيئة المحيطة بالمركبة، بما في ذلك سلوك السائق وحركة المرور وعوامل الطريق. بالتعاون مع منصة الحوسبة المتقدمة التي توفرها نفيديا، يتم وضع هذه البيانات في سياقها الصحيح لحظة بلحظة، مما يسمح بتغذية أنظمة السلامة داخل السيارة بمعلومات دقيقة ولحظية، وبالتالي تمكينها من التفاعل بذكاء مع أي موقف طارئ.
Gaussian Splatting تكنولوجيا تعيد بناء الحوادث ثلاثيًا لفهمها قبل وقوعها
تعتمد فولفو على تقنية جديدة تُعرف باسم Gaussian Splatting، وهي طريقة مبتكرة تقوم على جمع عدد هائل من الصور لنفس المشهد من زوايا متعددة، ثم إعادة بناءه بصورة ثلاثية الأبعاد بالغة الدقة. الهدف من هذه التقنية ليس فقط إعادة تصور الحوادث التي وقعت بالفعل، بل التنبؤ بمثيلاتها قبل وقوعها، من خلال فهم العوامل التي تؤدي إلى الأخطاء البشرية أو التقنية.
وبفضل هذا المستوى من التحليل البصري، بات بإمكان مهندسي فولفو دراسة تفاصيل الحوادث النادرة وتحليل سلوك المركبة والركاب والمحيط، ما يفتح الباب أمام تطوير أنظمة سلامة تتسم بالمرونة والقدرة على التكيف مع مختلف السيناريوهات، حتى تلك التي لم تحدث بعد.
Zenseact الذكاء الاصطناعي في بيئات افتراضية متعددة الأبعاد
ولتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، أسست فولفو شركة تابعة باسم زينساكت Zenseact، تختص بتطوير البرمجيات الخاصة بأنظمة القيادة الذاتية والمساعدة المتقدمة للسائق. وتعمل زينساكت على إنشاء بيئات افتراضية بالغة التعقيد، يتم من خلالها محاكاة آلاف السيناريوهات المرورية، بما في ذلك تغييرات سلوك السائقين وعدد المركبات وحتى الظروف الجوية المختلفة.
هذا التوجه يعني أن فولفو لم تعد مضطرة لانتظار وقوع الحوادث على الطرق الحقيقية لاختبار أنظمتها، بل تستطيع اليوم إعادة إنتاج ظروف واقعية في بيئات رقمية قابلة للتعديل، ما يختصر سنوات من التطوير والاختبار.
من سبعينيات القرن الماضي ..تاريخ من الالتزام بالسلامة
التزام فولفو بالسلامة مرتبط بتاريخها الطويل، ففي سبعينيات القرن الماضي، كانت الشركة تجمع بيانات ميدانية من مواقع الحوادث، وتقيس آثار الكبح، وترسل مهندسيها لتحليل الأضرار الهيكلية للسيارات المتضررة. هذه المعلومات ساعدت في ابتكار أنظمة شهيرة مثل نظام حماية الرقبة من الإصابة WHIPS، وهو أحد أبرز ابتكارات فولفو التي ما تزال مستخدمة حتى اليوم.
ومع دخول الألفية، زودت فولفو سياراتها بالمستشعرات اللازمة لجمع وتحليل البيانات بدقة، ما سمح بتطوير تقنيات رائدة في مجال مساعدة السائق، مثل نظام التعرف على المشاة Pedestrian Detection System، والذي كان من أوائل الأنظمة في العالم التي تتفاعل تلقائيًا مع وجود الأشخاص أمام السيارة.
من الأمان إلى الوقاية الذكية
اليوم، تتجاوز طموحات فولفو حدود تقليل الأضرار بعد وقوع الحوادث، لتصل إلى مرحلة التنبؤ ومنع وقوعها من الأساس. ومع التكامل العميق بين الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الفائقة، والبيئات الافتراضية، تبدو الشركة السويدية مستعدة للانتقال من مفهوم “السلامة السلبية” إلى “السلامة الذكية” التي تتخذ قرارات لحماية الإنسان قبل أن يشعر بالخطر.