في ظل تصاعد الحراك التجاري الدولي، جدد رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا – Shigeru Ishiba، مطالبته للولايات المتحدة الأمريكية بإزالة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات السيارات اليابانية، في خطوة تعكس تمسك طوكيو بحقها في معاملة تجارية عادلة، وسط متغيرات ملحوظة في السياسة التجارية الأمريكية تجاه شركائها التقليديين.
اتفاق بريطاني–أمريكي يشعل النقاش التجاري من جديد
تأتي تصريحات إيشيبا بعد إعلان الاتفاق بين واشنطن ولندن بشأن منح حصة منخفضة التعريفات الجمركية – Low-tariff quota لصادرات السيارات البريطانية إلى السوق الأمريكية، وهو ما أثار جدلًا واسعًا في أوساط الصناعة اليابانية، بالنظر إلى أن المملكة المتحدة استطاعت الحصول على امتياز تجاري واضح رغم محدودية صادراتها السنوية إلى الولايات المتحدة، والتي لا تتجاوز 100 ألف وحدة.
وقال رئيس الوزراء الياباني في حديث بثه التلفزيون المحلي: “هذا الاتفاق يمثل نموذجًا يُحتذى به في العلاقات التجارية، لكن لا يمكننا تجاهل أن الواقع الاقتصادي بين اليابان والولايات المتحدة يختلف جوهريًا عن نظيره البريطاني”.
وأشار إيشيبا إلى أن وضع اليابان التجاري يكتسب طابعًا استثنائيًا ليس فقط بسبب الحجم الكبير لصادراتها من السيارات، ولكن أيضًا بسبب التشابك الاقتصادي العميق بين طوكيو وواشنطن، حيث تُعد صناعة السيارات اليابانية من أكبر القطاعات الأجنبية المستثمرة في السوق الأمريكية.
الاستثمار الياباني داخل الولايات المتحدة
وفي معرض دفاعه عن مطلب بلاده بإلغاء الرسوم الجمركية، شدد إيشيبا على أن الشركات اليابانية العاملة في مجال صناعة السيارات مثل تويوتا – Toyota، وهوندا – Honda، ونيسان – Nissan، ليست مجرد مصدرين للأسواق الخارجية، بل تعتبر جزءًا أصيلًا من منظومة التصنيع والاستثمار في الداخل الأمريكي.
وأوضح أن تلك الشركات تُشغّل آلاف العمال الأمريكيين في مصانع التجميع وخطوط الإنتاج، وتسهم بشكل مباشر في دعم الاقتصاد المحلي للولايات التي تتواجد فيها، مثل كنتاكي، وألاباما، وتكساس. كما أن سلاسل التوريد اليابانية خلقت فرصًا إضافية لمورّدي المكونات الأمريكيين على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وأضاف: صناعة السيارات اليابانية ليست فقط شريكًا تجاريًا؛ بل هي شريك اقتصادي واستثماري حيوي للولايات المتحدة. وعلى هذا الأساس، من المنطقي أن تُراجع واشنطن سياساتها الجمركية تجاه هذا القطاع الحيوي.”
خلفية الأزمة الجمركية بين البلدين
يُذكر أن ملف الرسوم الجمركية على السيارات اليابانية ظل موضع خلاف طويل بين طوكيو وواشنطن، خاصة منذ أن فرضت الولايات المتحدة في فترات سابقة تعريفات جمركية اعتُبرت مرتفعة نسبيًا على واردات السيارات الأجنبية بحجة حماية الصناعات الوطنية.
وبرغم توقيع اتفاقية “الشراكة الاقتصادية الثنائية” بين اليابان والولايات المتحدة في السنوات الماضية، فإن قضية السيارات لم تصل إلى حل نهائي، ما يجعلها إحدى أبرز النقاط العالقة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
مستقبل مفتوح على تفاوض جديد؟
يرى مراقبون أن تصريحات إيشيبا قد تمهد لموجة جديدة من التفاوض الثنائي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي عادةً ما تُعيد ملف السياسات التجارية إلى واجهة الخطاب السياسي. كما أن الاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية بعد جائحة كورونا أعادت تسليط الضوء على أهمية التنوع في الشراكات الاقتصادية وتخفيف التوترات الجمركية.
وفي ظل تركيز الولايات المتحدة على إعادة التوازن التجاري مع دول كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، قد تُعيد واشنطن النظر في موقفها تجاه اليابان، خصوصًا أن التحالف الاستراتيجي بين البلدين يتجاوز الجوانب الاقتصادية ليشمل الأبعاد الأمنية والسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.